تحقيق نسب معقل إلى بني هلال

 

بنو معقل، قبيلة عربية أصيلة من أشهر قبائل الهجرة الهلالية، عرفت بشدة بأسها و سطوتها حيث سيطرت على مناطق شاسعة تمتد من المغرب الأوسط إلى بلاد شنقيط أسست فيها عدداً من الإمارات و المشيخات كما أشارت إلى ذلك كتب التاريخ.
يقول عنهم ابن خلدون:

“هذا القبيل لهذا العهد من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى مجاورون لبنى عامر من زغبة في مواطنهم بقبلة تلمسان وينتهون إلى البحر المحيط من جانب الغرب وهم ثلاثة بطون ذوي عبيد الله وذوي منصور وذوي حسان”.

و قد اختلف في نسبهم على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنهم هاشميون من ذرية جعفر بن أبي طالب، و هو رأي بني معقل أنفسهم في نسبهم كما نقله عنهم العلامة ابن خلدون.
القول الثاني: أنهم مذحجيون من معقل بن الحارث بن كعب، و هذا رأي ابن خلدون فيهم.
القول الثالث: أنهم هلاليون ، و هو رأي نسابة بني هلال الذي نقله عنهم ابن خلدون أيضا.
و مع علم الأنساب الجينية ظهر رأي رابع في نسب بني معقل و هو القول بانتمائهم إلى قضاعة، و هو رأي سوف نناقشه عند التطرق للوضع الجيني و ما يقدمه من إضاءات فيما يتعلق بموضوع بحثنا.

مناقشة الآراء المختلفة في نسب المعقل:

القول بالنسب الجعفري: و هو ما يقول به المعاقلة كما مر معنا و يعد كتاب العبر لابن خلدون (732 -808هـ) أقدم مصدر يوثق لهذه الدعوى، و كان نسابتهم في السابق يربطون معقل بجعفر الطيار من غير عمود نسب إلى أن قام العلامة المغربي أحمد بن خالد الناصري (1835-1897م) بوصل معقل بجعفر من طريق موسى الهراج في كتابه “طلعة المشتري في النسب الجعفري” على النحو التالي: “معقل بن موسى الهراج بن محمّد بن جعفر الأمير بن إبراهيم الأعرابي بن محمد الجواد بن علي الزينبي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب” و الذي أصبح من حينه العمود المعتمد لديهم في نسب معقل.
إلا أن كتب الأنساب المتقدمة لا تذكر ابناً لموسى الهراج أو بطناً من ذريته بإسم معقل (كما لا تذكره في سائر ذرية جعفر أو عموم بني هاشم)، سواء تلك التي حصرت ذريته في ابنه عبد الله (مخطوطة شيخ الشرف العبيدلي 435هـ و مستدرك ابن طباطبا 449هـ و مشجر الطالبيين لتاج الدين ابن معية 776هـ) أو تلك التي ذكرت له أعقاباً آخرين من بعض أولاده (أنساب آل أبي طالب لأبي المعالي إسماعيل بن الحسن بن محمد الحسني 448هـ و ديوان الأنساب لأبي طالب الزنجاني 545هـ)، و نص ابن عنبة الحسني 828 هـ على أن عقب موسى بن محمد العالم يعرفون ببني الهراج (عمدة الطالب). و في حين يؤكد المروزي 614هـ في كتابه الفخري في أنساب الطالبيين بأن “موسى الهراج له عقب قليل”، يذهب مرتضى الزبيدي 1205هـ في الروض المعطار في نسب السادة آل جعفر الطيار إلى انقطاع عقب موسى الهراج.
و الملاحظ أن مرتضى الزبيدي هو من المتأخرين الذين اشتهر في زمانهم ذكر بني معقل لدى نسابة المشرق و عرفت دعواهم إلى جعفر ابن أبي طالب، و مع ذلك نجده لا يذكرهم في الأنساب الجعفرية فضلا عن تقريره -و هو المتبحر في هذه الأنساب- لانقطاع عقب موسى الهراج رغم اطلاعه على كلام ابن عنبة في عمدة الطالب، مما يعني بأنه لم يعثر في تحقيقه لهذه الذرية على بقية لبني الهراج، و الله خير الوارثين.
و يتبين مما سبق بطلان دعوى انتساب بني معقل إلى جعفر بن أبي طالب لمعارضتها الشواهد و عدم وجود ما يؤيدها من المصادر المعتبرة.

القول بالنسب المذحجي: و هو كما سلف ذكره رأي ابن خلدون في نسب معقل، و قد أسسه على النقطتين التاليتين:

  • انتساب بني معقل لجد لهم يسمى ربيعة كما ذكر في الجزء الثاني من تاريخه:

 “و يؤيد هذا أن هؤلاء المعقل جميعا ينتسبون إلى ربيعة“(ص 307).

  • كون ربيعة بن الحارث بن كعب من مذحج يلقب بمعقل، و وجود فرقة من مذحج بإفريقية ترتحل و تنزل كما وجد عند ابن سعيد.

و هذا الرأي من ابن خلدون هو نتيجة تأولات مردها -كما يفهم من مجموع كلامه بهذا الصدد- أقاويل استقاها في أوساط مؤرخي عصره عززها (و الأرجح أنه سببها) اعتبار بني معقل أنفسهم مجموعة مستقلة في النسب عن الهلاليين، مما فتح الباب مشرعاً للاجتهاد في أصولهم. و مما يمكن مؤاخذته على ابن خلدون في هذا الجانب:
1- تجاهله لما ذكره نسابة الهلاليين من كون معقل بطنا هلاليا، رغم علمه بوجود حي من بني هلال يسمى ربيعة كما ورد في المجلد السادس من تاريخه:

“و كان أحياء هلال هؤلاء الأحياء من جشم و الاثبج و زغبة و رياح و ربيعة و عدي في محلاتهم بالصعيد كما قدمناه”.

2- غياب الدليل على وجودٍ لبني معقل بن كعب بن الحارث المذحجيين (تحديداً) في إفريقية.
3- وجود فروق بين ربيعة (معقل) المذحجي و قبيلة بني معقل مدار البحث، فالأخيرة إسلامية الطابع من ناحية مسميات بطونها حيث تتكون من جذمين، محمد و صقيل اللذان تنحدر منهما بطون المعقل من ذوي منصور و ذوي حسان و ذوي عبيد الله إلخ و هي بالتالي أحدث زمنيا من معقل المذحجي الجد الجاهلي الذي ينتمي إليه النجاشي الحارثي المتوفى سنة 40 للهجرة، و هو قيس بن عمرو بن مالك بن معاوية بن خديج بن حماس بن ربيعة (معقل)، و الذي تنحدر منه أيضا فروع قديمة كالمراثد من ولد مرثد و مريثد ابنا سلمة بن معقل.

القول بالانتماء القضاعي: و كان ابن خلدون قد طرحه كأحد احتمالين في نسب بني معقل قبل استبعاده، لكن أسهمه ارتفعت مع ظهور علم الأنساب الجينية و اعتبار بعض المهتمين بهذا العلم لبني معقل كممثلين جينيين لمعقل بن كعب بن عليم بن جناب من بني كلب القضاعيين، و هذا باطل من أوجه:
1- أن بني معقل ينتسبون إلى ربيعة كما مر معنا، و لا وجود لإسم ربيعة في نسب معقل القضاعي.
2- أن ديار معقل بن كعب بن عليم بن جناب (ضمن بلاد بني كلب في بادية السماوة) كانت بدومة الجندل، مما يتعارض مع السياق الجيني للتحور ZS4753 الذي تكتلت أسفله عينات بني معقل محور موضوعنا، فضلاً عن كون عينات صريح كلب و عمران بن الحاف (موروثاً أو جغرافياً) سواء السويدان 165601 من سوريا أو كنانة (كلب) من العراق رقم 304561 أو السودان M6973 أو عينات الخزرج-العراق 193295، 193376، 193309، 193305 (من عذرة من رفيدة الكلبية) مع عينات أخرى من سوريا جميعها سالبة للتحور FGC1696 (الذي ينحدر منه ZS4753)، و متكتلة بالتالي مع صريح قضاعة من الأسلم FGC8806 و بلي السالبون كلهم للتحور المذكور.
3- أن عينات بني معقل تكتلت تحت ZS4753 مع عينات بني هلال كما سيتم تفصيله.

انتساب المعقل إلى بني هلال:

 فيما نقله عنهم ابن خلدون، فإن نسابة الهلاليين يعدون بني معقل من بطون هلال، حيث ينسبونهم كما أسلفنا في ربيعة هلال. و مما يدل على أن هلالية المعقل أمر متواتر عند شيوخ و نسابة بني هلال هو إثابتهم لها على الرغم من الصراعات المستحكمة بين المعقل و جيرانهم من القبائل الهلالية الاخرى (عامر و يزيد) التي جعلت ابن خلدون يصفهم بأعداء هلال¹ و التي كانت لتدفعهم إلى سلوك معاكس لو كان لديهم أدنى شك في هذه النسبة.
و من المتواتر كذلك في كتب الأنساب و التاريخ وجود إسم ربيعة ضمن بطون بني هلال. جاء في جمهرة ابن الكلبي (110-204 هـ) ما يلي:

“و ولد هلال بن عامر : عبدالله ، ونَهيكاً ، و عبدمناف ، وصخراً ، وشَعثة ، وشُعيثة ، و عائذة ،و ناشرة ، و رويبة ، و أمهم قريظة بنت عمرو بن مرة بن صعصعة ، و ربيعة و أمه مجد بنت تيم بن غالب خلف عليها بعد أخيه ربيعة بن عامر (…) فولد الهزم: بجيراً، و عبيداً، و شعيثة، و زبينة، و الحارث، و شمّاسًا، و شِهابًا، و ربيعة…” [صفحة 367].

كما مر معنا ذكر ابن خلدون لبطن ربيعة الهلالي في تاريخه بقوله: 

“و كان أحياء هلال هؤلاء الأحياء من جشم و الاثبج و زغبة و رياح و ربيعة و عدي في محلاتهم بالصعيد كما قدمناه” [المجلد السادس، صفحة 19] و في موضع آخر “و كذلك ذكر فيهم ربيعة، و لم نعرفهم لهذا العهد إلا أن يكونوا هم المعقل كما نراه في نسبهم” [صفحة 23].

و جاء في التعليقات و النوادر لأبي علي هارون بن زكريا الهجري (وفاة 300 هـ):

“و أنشدني الأعيمش من بني ربيعة بن هلال، و لم أر أفصح منه، للمنتصر الرياحي رياح نهيك بن هلال… إلخ” [صفحة 136].

و قد أكدت النتائج الجينية علاقة المعقل ببني هلال حيث تكتلت نتائج معقلية من الشبانات و بني حسان من بني مختار بن محمد بن معقل مع عينات من فروع هلالية متنوعة من رياح ممثلة بأهل بن علي من الذواودة و رحمان و الخضران و من زغبة ممثلة بأولاد معرف من حصين و السحاري من عروة و أولاد بالغ و بني حميد من بني عامر و حميان من بني يزيد و عكرمة من عبس بن زغبة و بني صميل و غيرهم (راجع وسم “نتائج“) مما يثبت بما لا يدع مكاناً للشك بأن المعقل جزء لا يتجزأ من بني هلال بن عامر بن صعصعة.


¹العبر، المجلد السادس، صفحة 30.

أضف تعليق